الباب الضيق

عندما كنت طالبة في الجامعة، كانت الفترات بين محاضراتي طويلة جدا، وبما أنني طالبة (أنثى في عام 2009) لم يكن يسمح لي بالعودة إلى المنزل قبل الساعة العاشرة مع سائق أجنبي،  وحتى لو سمح كان يجب أن يقوم بإخراجي فرد من أفراد العائلة التي ينتهي اسمه بنفس عائلتي حتى يتأكد الأمن من أنني لن أخرج من الجامعة للقيام بأي فعل (مشبوه!)، وحتى لو لم يكن شرط (فرد من العائلة) موجودا لما تمكنت من الخروج ببساطة لعدم امتلاكي لوسيلة تنقل، ناهيك عن حظر قيادتها في الأساس، فما كان مني إلا أن أقضي تلك الأوقات في شتى الأمور ومنها الجلوس في المكتبة وقراءة ما يقع بين يدي من كتاب، جيدا كان أم سيء، فقد كان لدي بال طويل يسمح لي بقراءة السيء لاستيعاب سوءه ومقارنته بغيره.
وقع بين يدي رواية اسمها (الباب الضيق)، لن أخوض في تفاصيلها فهي ليست سبب تدوينتي هذه، لكن ما أريد تسليط الضوء عليه هو قناعة البطل بأن اختياره للمعاناة سيكون أكبر سبب لدخوله الجنة، وأنه كلما اختار دربا أكثر عسرا (أو بابا أشد ضيقا) فسيكون ذلك في صالحه في الآخرة، كانت لديه لذة عجيبة يتذوقها في معاناته اختيارية كانت أم إجبارية.
لم أكمل تلك الرواية في ذلك الوقت لانتهاء فترة فراغي ولأنني لم أتحمل عقلية بطل الرواية، لدرجة أنني لم أتذكر قراءتي لها إلا بعد مرور 9 سنوات تقريبا، عندما كنت في طريقي إلى عملي أنظر من خلال النافذة إلى خارج السيارة دون النظر إلى شيء بالتحديد، لمحت بيتا له باب ضيق جدا يجب على من يريد الدخول منه أن يخفض رأسه ويدخل كالسرطان مقدما كتفه لا صدره.
كنت أرى هذا النوع من الأبواب كثيرا، فهي أبواب غرف السائقين، كما كنت دائما أسخر من عقلية البشر التي تفكر بتخصيص (فتحة) كهذه لبشري لا يختلف تكوينه عن تكوينهم في شيء، لكن الفكرة التي جعلتني أتذكر رواية الباب الضيق هنا طرأت علي في نفس اللحظة.
وهي كالتالي:
لطالما كانت فكرتي عن مجتمعاتنا وأفرادها بأنهم يحبون إلقاء الفعل على الغير لكن دون التخلي عن الصفة الناتجة عن الفعل نفسه، أعني بذلك حبهم لصفة التدين وفي نفس الوقت اختزال الدين في رجال الدين و أتباعهم من النساء، حبهم لصفتي الزهد والورع واختزالهما في بعض الفئات التي تمارسهما فعلا باختيارها أو بسبب الظروف الإجبارية.
الباب الصغير الذي رأيته جعلني أمر بحالة تفكير فلسفي وأنظر للأمر وكأنني أرى لوحة سيريالية..
وصرت أتساءل..
أيعقل أن لا تكون النظرة الدونية وحدها السبب الوحيد لإنشاء فتحات كهذه؟ أيعقل أن اللاوعي في مجتمعنا وصل في حبه للزهد والتقشف إلى فرضه على العمالة، ووصل كرهه لتطبيق هذا الزهد إلى اختزاله على العمالة أيضا؟

أضف تعليق