01 – سوّلت لي نفسي

|| سوّلت لي نفسي ||

نهضت من سريري بعد مدة نوم ليست بالقصيرة، ازحت الستائر عن النافذة ليدخل النور إلى الغرفة، و استدرت لأرى لأي شيء حال أمري، أغلفة الأطعمة و المشروبات الغازية مرمية في كل مكان، الغبار يغطي الأرفف، الفراش مهترئ ولا توجد مساحة لموطئ قدم على الأرض.
ضاقت بي هذه الغرفة الصغيرة التي لا أملكها، أم يجدر بي القول أنني لو قفزت من الكرة الأرضية لتنفست هذه الأخيرة الصعداء، لا أذكر متى حظيت بعمل آخر مرة ونقودي على وشك النفاد، لم يرن هاتفي أيضا من مدة والكهرباء قطعت للتو، هل أجرؤ على القول بأن المصائب انتهت؟ بالطبع لا!

لهذه الحياة طريقة عجيبة في التعامل معي، هل تعرفون نوع العلاقة التي تحدث بين شخصين، يكون أحد طرفيها مزاجيا، يتمسك بشريكه حد الاختناق تارة، وتارة أخرى يطرده شر طردة؟ هذا بالضبط ما بيني وبين الحياة، لا أعرف أي نوع من العقود وقعته معها قبل الولادة، لكنني أحيانا أحسها طليقتي الحاقدة التي لا تتهاون عن اقتلاع عيني عندما أتأخر عليها في النفقة.
لا تخطئوا فهمي فلست غاضبا أبدا، ليس في هذه اللحظة بالذات على أي حال!
وقفت دقيقة حداد على نفسي، ذكرت نفسي بكل فضائلها، و شكرتني كثيرا، وددت لو قبلتني لكن هذا صعب قليلا.. لماذا الحداد؟ ألم أذكره؟ أوه اعتقدت أنني ذكرت السبب وأنا أثرثر!
اليوم هو يوم وفاتي، استغرقت الوقت الذي قضيته ممددا في فراشي في التفكير، وكانت النتيجة أنه لا داعي للعيش، بالطبع الأسباب كثيرة وشرحها يطول لذلك لن أضجركم بالتفاصيل.

دخلت لأستحم في الماء البارد، فلن يعمل السخان بلا كهرباء، ثم خرجت وجففت جسدي وشعري بقطعة ثياب أعتقد أنها نظيفة، و بدأت أبحث في كومة الملابس عن شيء يناسب يوما كهذا اليوم، وجدت بنطال جينز و قميصا قطنيا لطالما أحببتهما، من الجيد أن تموت و أنت ترتدي ما تحب، خرجت من المنزل وقصدت مطعما كنت أتردد عليه كثيرا، أعني عندما كنت أستطيع دفع ثمن وجبة في مطعم، اخترت طاولة بجانب النافذة ولم أتردد في طلب كل ما اشتهته نفسي، فهي ستصعد إلى بارئها عاجلا!
لم أستعجل إنهاء وجبتي، بل استمتعت بكل لقمة منها، كما أبديت اهتماما لتفاصيل كثيرة لم أكن لأنتبه لها لو لم أنظر لمحيطي نظرة المودع، صوت الراديو، إضاءة الشمس المتسللة من النوافذ، ذاك الطفل اللعين الشاكي المتذمر الذي لم يدخر يوما جهدا في مضاعفة حدة رنين أذني، جلست أراقبه حتى ذهب ذويه إلى الحمام، عندها نهضت وتوجهت إليه ثم تناولت كأس الكولا الذي ظل يضرب الأرض بقدميه حتى سمحت له والدته بأخذه، و سكبته على ما تبقى من شطيرته، ثم أخذت دمية وجبته المجانية ورميتها على الأرض ثم حطمتها بقدمي، اعترتني نشوة عظيمة عندما رأيت لهاته وهو يصرخ صراخا يصم الآذان!

خرجت مسرعا من المطعم قبل أن يمسك بي والده ضخم الجثة ويبرحني ضربا، آخر ما أتمناه أن أموت بعين منتفخة!
اعتقدت في بداية اتخاذي لقراري أنني سأكون مكتئبا وخائفا، أن أتصل بأحبابي وأسمع أصواتهم لآخر مرة، لكن المفاجأة كانت أن لا رغبة لي بذلك، بل أحس أنه ما من داع لذلك، كما أنني تركت هاتفي في البيت ولن أضيع ما بقي معي من نقود على مكالمات هاتف عملة، بهذا التفكير وضعت كفّي في جيوبي واتجهت إلى.. إلى أين؟
توقفت عن المشي عندما تذكرت أنني لم أحدد مكان وطريقة الانتحار، أعرف أن أغلبكم الآن يعتقد أنني لست جادا في الأمر، معكم حق! الأمر وما فيه هو أنني بعد تفكير وتمحيص قمت به وأنا ممدد على فراشي بسروالي الداخلي المرقط خلصت إلى نتيجة واحدة ألا وهي أنه ما من داع لمعاندة حياتي بعد الآن، لقد غلبتني، ولم يعد فيها متسع لي، فليفسح هذا المغوار لغيره المجال في معاركتها، أتمنى أن أرى بعد موتي ما الذي ستفعله بالذي سيأخذ دوري، أود لو أعرف شعوري تجاهه، هل سأعطف عليه أم سأستمتع بمشاهدته يتخبط و يصارع كما فعلت؟

لا يزال الوقت مبكرا على الغروب، ولا أريد أن أقتل نفسي في وضح النهار، فاحتمالية إنقاذي كبيرة، ثم بعد ذلك ينتشر الخبر في كل مكان، الأفضل أن أقوم بذلك في الظلام، وفي مكان لا يقصده الكثير من الناس، إذن حددت الوقت تقريبا، تبقى مسألة كيف ومتى، أعتقد أنني أتمنى أن يحدث موتي بشكل مفاجئ، لكن احتمالية حدوث ذلك ضعيفة جدا، فلو كان هذا سيحدث تلقائيا لما تكبدت عناء التخطيط له، فلنرى أيضا ما الذي لا أتمنى حدوثه، لا أريد أن أشعر بالألم، لذا فالسقوط من مكان مرتفع ليست طريقة مناسبة، أقراص مخدرة، هممم لا أظن أن لدي ما يكفي من المال الآن لشراء كمية كبيرة، كما أن الكميات الكبيرة تلفت االأنظار وقد يشك الصيدلاني في نيتي لذا لن أجازف، الغرق إذا، حددت الكيفية و يبقى المكان، هذا سهل! المنطقة النهرية أسفل الجسر المعلق مخفية بشكل جيد، خاصة في الليل!

بما أنني لا أزال أملك الكثير من الوقت قبل حلول الظلام، قررت أن أمشي طول الطريق إلى هناك، تبا! أتمنى لو أنني أحضرت هاتفي وسماعات أذني لتمضية الوقت، أعرف أعرف، أتحدث كما لو كنتُ ذاهبا في نزهة، لكن هذا فعلا ما أود فعله الآن أثناء سيري إلى حتفي.
أثناء سيري رحت أراقب محيطي، وعندما لم تعد وجهتي ببعيدة، لفت نظري سور مبنى قديم رُسمت عليه عدة دوائر بحجم عملة، امتدت هذه الدوائر إلى نهاية السور، وقفت مقابل السور ثم تراجعت عدة خطوات للوارء، عندها بدأت أربط بين الدوائر، أعلم أن أيا كان من رسمها لم يقصد سوى الخربشة، لكن التقطت إحدى الطباشير الملقاة أمام السور والتي خربش بها أحدهم قبلي، وبدأت أرسم الخطوط لأصل الدوائر ببعضها لتكون مجموعات نجمية يعود الفضل لهوسي بمجموعة هاري بوتر في معرفتي لأسمائها، كانت أربع مجموعات، بيلاتريكس، سيريوس، ريغولوس ودراكو.
تراجعت مرة أخرى لأرى الصورة الكاملة و أثني على مخيلتي، عاودتُ السير في طريقي وأنا ممتن للإحساس الجميل الذي أمدتني به تلك الخربشة، عندما وصلت لحافة النهر، بقرب الجسر، رفعتُ رأسي للسماء أنظر إلى نجومها، بدأت أخطو داخل النهر، بكل سلاسة، دخل الماء في أحذيتي و ارتفع حتى وصل إلى ركبتي.. فقط.. لم يكن الماء عميقا بما فيه الكفاية..!
حسنًا أحسست أخيرًا بخيبة الأمل، كما أثبتُّ لكم الآن كيف تتمسك بي الحياة عندما أدير لها ظهري.. طأطأتُ رأسي قليلًا، أخذتُ عدة أنفاس عميقة، ثم استدرت عائدًا أدارجي، لم أكد أخطو خطوتين خارج الماء، حتى هرعت إليّ امرأةٌ ما من حيث لا أدري! أخذت تضمني و تعاتبني على الغياب الطويل، كما أظن أنني سمعتها تناديني بأخي! حسنًا يبدو أن الحياة قررت مكافأتي بطريقة غبية على جرأتي في نزالها، فأهدتني أختًا!


 

أضف تعليق