02 – فشلٌ في الإدراك

||فشلٌ في الإدراك||


 

يقول ديكارت: “إني أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنتُ أحسب أني أراه بعيني”.
و يبدو أن ما في ذهني من قوة حكمٍ لم يسعفني في إدراكِ وضعي أو معرفة التصرف المناسب الذي كان يجب أن يصدر مني عندما ساقتني أختي الجديدة إلى منزلنا الذي لم أزره من قبل، و أشاركها هي وأخي الصغير الجديد أيضًا وجبة شهية، أعتقد أن عقلي الباطن سيطر علي بحكم أنه خلص إلى فكرةٍ جهنمية، فأنا خرجتُ اليوم عاقدًا العزم على عبور خط النهاية، لكن حظي وقف أمامي وقفة شرطي المرور، ليغير وجهتي حتى أعلم أنني لم أمُرّ بعد بأسوأ التجارب، دعوني أوضح لكم ما أقصده هنا، من جرب أن يلعب ألعاب الفيديو أو حتى لعبة السلم والثعبان يعرف أنه قبل النهاية عليك أن تتخطى أسوأ وأعتى الوحوش على الإطلاق، وكلما تعمقت اللعبة في الفلسفة، يزداد فيها الخوض في أسوأ الكوابيس وما إلى ذلك، وهذا بالضبط هو السبب الوحيد الذي قد يمنعني من الصراخ الهستيري في هذه اللحظة، فكرة أنني الآن أمر بالمرحلة الأخيرة، واحتمالية ظهور تنين عظيمٍ أقتله بسيفي جعلتني أشعر بالحماس نوعا ما، و جعلتني أيضا أبتسم في وجه هذا الصبي الذي أمضى الليلة كلها يحدق بي و يكشف عن صف أسنانه البيضاء المرصوفة بابتسامة كبيرة.


عندما تمكنت أخيرا من استعادة سيطرتي على خلاياي الدماغية، كان الوقت قد تأخر، وقد رُكنت في غرفة يضاهي غبارُها غبارَ غرفتي، لم أتحرك كثيرا حتى لا أصدر أي ضجة من شأنها أن توقظهما من نومهما، كما لم أفتح سوى الإضاءة الليلية التي زادت من غرابة المكان، حاولت تمييز الأشياء من حولي بلا فائدة، ثم تمددت على الفراش المغبر وأنا أحاول التفكير بطريقة للخروج من هنا بهدوء، لكن كما هو متوقع، غلبني النعاس فانقضى الليل بطوله و أنا نائمٌ حتى أيقظتني أختي العزيزة لتناول الفطور والاستعداد للذهاب للأكاديمية، حسنًا لا أستطيع الانتظار حتى أزور قبر أمي لأبشرها بأنني لا أزال طالبا بعد أن أنفقتُ كل ما أورثتني من مال على دراستي الجامعية، و لم أعتقد بوجوب إخبار أختي بأنني أنهيت دراستي منذ وقتٍ ليس بقريب، راقبتها وهي تستعد للخروج إلى عملها كما بدا، أعتقدُ أنها تعمل في سلك الشرطة، فلباسها عملي جدا كما لمحتها تلتقط شارتها وتضعها في جيبها، مما أخافني من الاتصال بالشرطة إذا عثرتُ على هاتف في هذا البيت اللعين، بعد ذهابها تسمرت في مكاني قليلا في غرفة المعيشة الصغيرة، لم أرَ أي هاتف أو تلفاز، كما لم ألمح شقيقي اللطيف منذ البارحة، توقعت أنه ذهب إلى المدرسة، لكنني تفقدت غرفته لأتأكد من عدم وجوده، وفور تأكدي من خلو المنزل من المجنونين، هرعت إلى الباب الذي كان مقفلا، بالطبع إنه مقفل! ما الذي كنتُ أتوقعه؟ ذهبت لأتفقد كل نوافذ المنزل، كانت قضبانها قوية ومتقاربة، لا يمكنني دفعها ولا التسلل من بينها، كما أنني حاولت الصراخ وطلب النجدة لعل أحدا يسمعني، لكن لا أظن أنني وفقت في ذلك.


لا يبدو أنني سأخرج من هنا قريبا، وهذا منحني الوقت لكي أسأل نفسي عن السبب الذي جعلني أبقى ساكنًا ولا ألجأ إلى أكثر التصرفات عقلانيةً، وهو العنف، كان بإمكاني الإطاحة بها قبل قليل، لقد استخففت بها لأنني اعتقدتها مجنونة، ولم أفكر بأنها تحتجزني لسبب، لكن ما هو السبب؟ تجارة الأعضاء؟ شرطية تتاجر بالأعضاء؟ أستطيع الحصول على مبلغ لا بأس به لقاء معلومة كهذه من أحد وكالات الأنباء!
تلك المجنونة! توقظني من نومي حتى أذهب للأكاديمية، ثم تقفل الباب! إنها بحاجة لعلاج عاجل! ولفريق كامل مهمته تشخيص حالتها المرضية، أتسائل عما إذا كانت مشكلتها عقلية أم نفسية، مسكين ذلك الطفل، يبدو أن وباءها سيطاله قريبا.


قبل الغروب بقليل، عادت المجنونة بصحبة أخيها المتبسم الذي نسي ابتسامته اليوم في المدرسة على ما أعتقد، دخلَت إلى غرفتها لتخلع معطفها و تترك متعلقاتها حتى لا تتأخر في إعداد العشاء لنا، لم أفعل شيئًا هنا منذ مجيئي سوى تناول الطعام، بعدها توجهَت إلى جهة المطبخ وبدأت تعد الطعام، عندها نهض أخوها من أمامي ودخل غرفتها لوهلة ثم خرج حاملا مسدسها، ليصوبه نحوي!
قفزت من مكاني فور رؤيتي له، ثم رفعت الطاولة وألقيتها عليه، لتفلت من مسدسه طلقةٌ استقرت في الحائط، عندها بدأت المرأة تصرخ صراخًا هستيريًا، أما أخوها فحاول إصابتي بطلقة أخرى قبل أن أرمي حوض السمكة على رأسه، أصابتني رصاصته في كتفي مما جعلني أستند على الحائط ورائي، أكسبَه هذا وقتًا كافيا للتصويب ناحيتي مرةً أخرى لكن رصاصته استقرت في رأس أخته التي حاولت إنقاذي!

كان ينوي أن يُجهز علي لولا سماعه لسارينة الشرطة، أخذ مسدس أخته وهرب، لم يوقظني من صدمة ما حصل للتو سوى ألم كتفي، دخلت الشرطة بعد هروب ذلك الوغد بقليل، ليجدوا جثة شرطية فوقي!

 



 

أضف تعليق